الإعجاز في سورة الفاتحة

مقدمة:

يبين هذا الموضوع بعض جوانب الإعجاز في فاتحة الكتاب وإعطاء فهم أعمق لقول حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم في مكانة هذه السورة : (عن رافع بن المعلى رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟" فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال:" الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" رواه البخاري)

التفكر في قول الحبيب محمد في سورة الفاتحة:

إذا تفكرنا في قول حبيبنا محمد في سورة الفاتحة عندما قال عليه الصلاة و السلام: (الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)، حيث نجد بأنه قال بأن سورة الفاتحة هي القرآن العظيم الذي أنزل عليه، فالسؤال الآن هو: كيف أن سورة الفاتحة بآياتها السبع هي القرآن العظيم بأكمله ؟

نجد إخواني و أخواتي جمال التفكر في القرآن و في أقوال الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم، حيث عن طريق التفكر نستطيع أن نفهم مراد الله و رسوله في وعظهم لنا. فعودة إلى السؤال المطروح و هو عن كيفية احتواء سورة الفاتحة على القرآن الكريم ؟

نستطيع فهم هذا الأمر عن طريق التفكر في حديث آخر لحبيبنا محمد عليه الصلاة و السلام و هو التالي: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)، حيث نجد بأن حبيبنا محمد وصف الفاتحة بأم القرآن، فإذا تفكرنا في هذا الوصف للفاتحة بالأم نجد بأنه من خصائص الأم هو انبثاق الأفراد منها، أي أن الأم يجب أن تحتوي على المادة التي تكوّنت منها الأفراد و تطبيق هذا على القرآن الكريم هو أنه يجب أن تحتوي الفاتحة على جميع مواضيع القرآن الكريم أي أن مواضيع القرآن الكريم بالكامل انبثقت من سورة الفاتحة (أم الكتاب).

فالسؤال التالي هو عن كيفية احتواء سورة الفاتحة بآياتها السبع لجميع مواضيع القرآن الكريم؟

الهندسة الصناعية في سورة الفاتحة و احتوائها لجميع مواضيع القرآن الكريم:

نستطيع فهم كيفية احتواء سورة الفاتحة لجميع مواضيع القرآن عن طريق التفكر في الآية (88) من سورة النمل: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)، حيث نجد بأن المولى عز و جل يصف خلقه بالكامل بعملية صنع و هذا يعني بأن الصانع هو الله و أن المخلوقات جميعها عبارة عن أمور صنّعها المولى عز و جل.

فهذا يقودنا إلى ضرب المثال التالي و لله المثل الأعلى:

أيّ صانع الذي يصنع منتج معين فإنه يضع لذلك المنتج كتاب إرشادات للاستخدام و يتضمن هذا الكتاب الأمور التالية:

1. معلومات عن الصانع، صفاته، و منهجه الذي يريده لمنتجه

2. معلومات عن المنتج و خصائصه

3. معلومات عن مدة صلاحية المنتج و ما سيحل به عندما تنتهي وظيفته

و إذا طبّقنا ما سبق على كون المولى عز و جل هو الصانع فإن القرآن هو بمثابة كتاب الإرشادات و أنه يجب أن يحتوي على المواضيع التالية:

1. معلومات عن الله عز و جل، صفاته، و منهجه الذي يرضاه لعباده (ثلث مواضيع القرآن)

2. معلومات عن مخلوقات المولى مثل البشر، الجن، الملائكة، الحشرات، الدواب، و غيرها (ثلث مواضيع القرآن)

3. معلومات عن نهاية المخلوقات (يوم القيامة) و ما سيحل بهم بهد ذلك (البعث و الحساب) (ثلث مواضيع القرآن)

صورة (1): مواضيع القرآن الكريم.

و لإثبات التحليل المبيّن في صورة (1) علينا أن نتفكر في قول حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم: (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في:{ قل هو الله أحد}: {والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن} رواه البخاري. فنجد بأن حبيبنا محمد يقول في سورة الإخلاص (الذي هي عبارة عن وصف لصفات الله عز و جل) بأنها تعدل ثلث القرآن و ذلك يثبت بأن ثلث مواضيع القرآن الكريم تتحدث عن الله عز و جل و صفاته.

التفكر في مواضيع سورة الفاتحة:

إذا تفكرنا في السبع آيات المؤلفة لسورة الفاتحة نجد بأنها تتحدث عن الثلاث مواضيع التي ذكرت سابقا كما هو مبيّن في صورة (2).

صورة (2): مواضيع سورة الفاتحة.

فنجد تطابق بين مواضيع سورة الفاتحة و مواضيع آيات القرآن الكريم و هذا يعطينا فهما أعمق لكون سورة الفاتحة هي أم الكتاب و ذلك باحتوائها على جميع مواضيع القرآن الكريم. و هذا يمثل إعجاز كبير جدا في الحقيقة بأن سبع آيات سورة الفاتحة تحتوي على جميع المواضيع المذكورة في أكثر من ستة آلاف آية (آيات القرآن الكريم).