انظر إلى نجوم السماء

ها هو أحد الضباط من إحدى الدول العربية مر بتجربة مريرة حاولوا إرغامه على شرب الخمر ...

بمناسبة قدومه على كتيبة جديدة أراد قائد الكتيبة أن يقيم حفلاً له ولزملائه الجدد ولنتركه يروي لنا بنفسه مشاهد تلك الحفلة ..

قال : شهدت الحفلة مع زملائي في الوقت الموعود ، وكنت عازماً على التخلف ولكن زملائي أحاطوني في داري وأخذوني أخذاً إلى دار الضباط وكان هؤلاء الزملاء قد طوقوني في تلك الدار خوفاً من تهربي خلسة ، وقدم الكتيبة يتبختر ، فاستقبله الضباط وقوفاً ، ثم قدم إليه قائد السرايا ضباطهم الجدد وجاء دوري فقدمني قائد سريتي قائلاً عني ، ((الملازم ... ضابط خام ، يدَّعي أنه لم يذق طعم الخمر في حياته)) ...

وكان كلامه مزيجاً من الاستفزاز والتهكم والاستغراب ، قال قائد الكتيبة : ((كيف يكون في سلاح ... ولا يعاقر الخمر ؟ ... هذا غير معقول)) .

وتحرج موقفي وتجمع الضباط من حولي يرجونني بإلحاح ، وجاءني قائد الكتيبة وقد اترع كأساً بالخمر ، يحملها بيده وقدمها إليّ ، آمراً أن أبدأ صفحة جديدة في حياتي ، بشرب المدام وأن أتخلى عن تزمتي ، لأصبح ضابطاً حقاً ثم أقسم بشرفه العسكري أن أفعل ما أمرني به .. وأقسم قائد سريتي هو الآخر متطوعاً ، ألاَّ أردَّ كأس القائد الهمام ..

وكان الليل قد أرخى سدوله ، وكانت السماء صافية تتلألأ بالنجوم ، وكانت مياه النهر تعكس على صفحاتها أنوار النجوم ، فتزيدها بهاء ورونقاً ونوراً وكان قائد الكتيبة برتبة "عقيد" يحمل على كتفيه رتبته العسكرية وهي بحساب النجوم اثنا عشر نجمة ، على كل كتف تاج يعادل أربع نجوم ونجمتان أسفل التاج ، فيكون على كل كتف ست نجوم ، وعلى الكتفين اثنا عشر نجمة ..

ويومها قلت له : ((إنني أطيعك في تنفيذ أوامرك العسكرية ، وأطيع الله في تنفيذ أوامره الدينية ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، إنك تحمل على كتفيك اثني عشر نجمة ، فانظر إلى سماء الله كم تحمل من نجوم)) ...

وبهت القائد ، وأخذ يردد .. (( السماء ! السماء ! نجوم السماء ثم أشاح بوجهه عني ، ومضى غضبان أسفاً وهو يقول : هذا الضابط لا يفيدنا .. لا يفيدنا أبداً)) .

ويومئذ شعرت شعوراً راسخاً ، بأن موقفي ليس مصاولة بين إرادتي وإرادة القائد ، ولكنها بين إرادة القائد ، وإرادة الله خالق البشر وجلست وحيداً أتأمل نجوم السماء ، وأستشعر عظمة خالق السماء ، وجلس الضباط جميعاً ترتفع ضحكاتهم إلى عنان السماء ..

ما أروعها من إجابة .... إن الثبات الذي وقفه ذلك الضابط وهو بتلك المحنة لصورة فريدة من واقع الحياة العسكرية لقد ربط نفسه بالواقع الإيماني وانطلق من مبدأ مخافة وتقوى الله ...

صدق الله تعالى : ((ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً)) ...

بارك الله فيك أختي ذرى القمم
جزاك ربي كل خير