خواطر صانع على طريق النهضة
الخاطرة رقم (1)
المـفـتـاح
تلهب أشواق النهضة نفس الصانع .. و تضطرم في روحه شعلة الحنين إلى المجد...
فيفزع من فوره متسربلاً بلؤمة(1) التغيير ... متقلداً معول البناء ... قاصداً سبيل الخلافة ... دالفاً من باب النهضة...
فإن امتلك الصانع مفتاح الدخول كان الولوج سهلاً ، و كان السير في طريق النهضة و الخلافة حقيقة واقعة ... ثم لاشك بعدها في الوصول ... و لو بعد حين ...
أما إن كانت الأخرى و غاب المفتاح .. كان السير أحلاماً و خيالات ، و كانت النهضة صوراً و تهيؤات ... و أقدام الصانع مكانها لم تجاوز العتبة ... بل لعله أخطأ الباب و أقحمه هواه في سراديب الظلام ...
نعم ... إنه المفتاح إذن ... إنه روح الدين ... و لباب العبادة ...و جذر الإيمان ... و أساس كل عمل... و مدار القبول أو الرد ......
إنه المفتاح : الإخلاص ...
يدرك صانع الحياة هذه الحقيقة أيما إدراك فتراه يخط السير على نهج الأوائل و يكرر ما قاله خامس الراشدين و يبدأ مشواره في صناعة الحياة بالذي بدأ خلافته به يوم أن قال : ( لأعقدن عقداً لا يكون للشيطان فيه نصيب ) ثم يصيح بمن حوله من الصانعين :
قولوا للواقفين بغير باب الله : يا طول هوانكم
قولوا للعاملين لغير وجه الله : يا ضيعة أعمالكم
فلا صناعة إلا بالإخلاص ، و لا استمرار إلا بدوام الإخلاص ... فمن صفا :صُفي له ...و من خلط : خُلِّط عليه ... و تخبط ... و ليس له ثمة إلا السراديب .,. فإذا ما قضي الأمر و حان وقت العرض فلات حين مفاتيح ...
(فمن صحت لله بدايته : صحت نهايته ، و من فسدت بدايته فربما هلك )
و هذا حال أي عمل لم يكن جذره التجرد و لم يكلل بالإخلاص ...
و لا يزال صانع الحياة يستذكر ما طالعه يوماً في (تركيب الشظاياً) من قصة المحدّث الثقة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب شريك مالك بن أنس في إمامة المدينة المشرّفة، لما قال حين بلغه بدء تدريس مالك للموطأ واجتماع الناس عنده: لأصنّفنّ موطأ أكبر منه.
وكان حسدُ الأقران يحرّكه –ربما- ، فصنّفه...
فقال مالك: ما كان لله بقي.
ودارت الأعوام والقرون، وإذا بموطأ ابن أبي ذئب لا يعلم به أحد، غير أحاديث قليلة نقلها البخاري في صحيحه، بل حتى ولا توجد مخطوطة لموطأ المنافسة هذا.
و إذ الأجيال تحتفي بموطأ مالك، حتى أن الدار قطني ألّف كتاباً رصد فيه اختلاف ألفاظ تسعين رواية مستقلّة كاملة لموطأ مالك عن تسعين من تلامذته، والبخاري وحده انتقى من أربعة عشر رواية منها رواها له شيوخه من تلامذة مالك، عدا ما رواه بواسطة، فانظر البركة، وانظر العقوبة، وانظر شيوع الذكر، وانظر خفوته، وما يشاء الله يفعل، وما يعِد يكون.
إنه الإخلاص و التجرد ... هذا هو مفتاح القاصدين ...و سر الناجحين ...
يا عابر الخطوات نحـو فلاحـك *** أسكبت نور الزيت في المصباح؟
و شرعت تمشي و الرياح خوافق *** لم يثن عزمك وابـل الأتــراح
العـهد أولـه اتبــاعٌ صـادقٌ *** و عليه بالإخلاص خير وشــاح
هذا هو المفتاح فـــاعرف سره ***و ابدأ دروب الشوق بالمفتـــاح
.....
و ابدأ دروب الشوق بالمفتـــاح
*************
و إلى لقاء قريب قادم ...
مع خواطر صانع على طريق النهضة...
-------------------------------------------------------------------
(1) اللؤمة : لباس الحرب